وزارة الخارجية التركية كانت قد أعلنت رسمياً، في 30 كانون الأول/ديسمبر 2015، الإجراءات الجديدة للحصول على تأشيرات دخول للقادمين السوريين إلى تركيا، عبر المطارات والمعابر البحرية، والتي بدأ العمل بها ابتداءً من 8 كانون الثاني/يناير 2016.
وقد صرحت الحكومة التركية، أن هذه الإجراءات تأتي في سياق "مكافحتها للهجرة غير الشرعية"، بينما ستستمر بسياسة "الباب المفتوح" للسوريين الواصلين من الداخل السوري عبر البرّ.
وكان من النتائج الفورية المضرّة لهذه الإجراءات الجديدة، ترحيل أكثر من 100 سوري من قبل السلطات اللبنانية، كانوا قد علقوا في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، بتاريخ 8 كانون الثاني/يناير. ووصل هؤلاء إلى بيروت بنيّة السفر إلى تركيا، لكن لم يستطيعوا الإقلاع في 7 كانون الثاني/يناير، بعدما تم إلغاء الرحلتين اللتين كانتا مقررتين، لمغادرة السوريين على متنهما.
وتكمن المشكلة الأولى المتعلقة بالإجراءات الجديدة للحكومة التركية في تصريحها حول استمرارها بسياسة الحدود المفتوحة برياً مع سوريا. فوفقاً لتقرير منظمة "هيومن رايتس وتش"، المنشور في تشرين الثاني/نوفمبر 2015، أغلقت الحكومة التركية آخر معبرين بريين رسميين، في وجه معظم السوريين تقريباً، وذلك ابتداءً من آذار/مارس 2015، ويتم السماح فقط للحالات التي تحتاج رعاية طبية طارئة بالدخول. بالإضافة إلى ذلك، ووفق مصادر ذات إطلاع واسع من السوريين والأتراك، في مناطق الحدود جنوبي تركيا، فقد قامت الحكومة التركية أيضاً بتعزيز إجراءاتها للحماية في نقاط التهريب على الحدود منذ صيف 2015.
جدير بالذكر أنه حتى عندما اعتمدت تركيا سياسة الحدود المفتوحة، استثنت الفلسطينيين السوريين الذين يحتاجون إلى تأشيرة دخول "فيزا" للدخول إلى تركيا، مع العلم أن القوانين التركية المتعلقة باللجوء تقول بإن سياسة الحدود المفتوحة تطبق على "المواطنين السوريين واللاجئين أو الناس بلا وطن الذين يعيشون في سوريا". كما أنه من غير الواضح إن كان سيتم العمل بمعايير "الفيزا" الجديدة مع الفلسطينيين السوريين أم لا؟.
أما حقيقة أن الحكومة التركية لا تعترف رسمياً بإغلاقها للحدود مع سوريا، وقولها إنها ما تزال تقبل دخول اللاجئين القادمين من سوريا بالطريقة ذاتها، فذلك بسبب إنكارها الاتفاق مع سياسات "الاتحاد الأوروبي" ذات الشأن. وتتجاهل سياسات "الاتحاد الأوروبي" أن زيادة الاجراءات الأمنية وإغلاق الحدود -التي دفعت بالأساس الكثير من السوريين للتشرد براً أو الغرق بحراً في غاية الوصول إلى أوروبا- هي من يمنع وصول الناس إلى "الحماية الدولية" التي ينشدها الأوربيون ويقرون بها. ولكن، عملياً، مع بقاء الحدود السورية-التركية مغلقة، تبدو الاجراءات التركية متماشية مع فهم "الاتحاد الأوروبي" لقضية اللجوء. وبهذا يُعتبر السوريون، حرفياً، مسجونين داخل سوريا بدون أي قدرة للوصول إلى "الحماية الدولية".
الأمر الرئيس الثاني، المرتبط بالإجراءات الجديدة، يتعلق بمفهوم "البلد الآمن"، حيث أنه، وكجزء من الاتفاق التركي مع "الاتحاد الأوروبي" حول موضوع اللاجئين؛ "خطة العمل المشتركة"، والموقّعة في تشرين الثاني/نوفمبر 205، تبرع "الاتحاد الأوروبي" بمبلغ 3 مليارات يورو، للحكومة التركية -لم يتضح بعد إن كان سيقر تسليمه أم لا- لتحسين الأوضاع الإنسانية للاجئين، بينما التزمت تركيا تعزيز الإجراءات الأمنية للحدّ من تدفق المهاجرين واللاجئين إلى "الاتحاد الأوروبي".
وتعرّض هذا الاتفاق إلى انتقادات حادة من قبل منظمات حقوق الإنسان والمنظمات المدافعة عن حقوق اللاجئين في تركيا لأسباب متعددة؛ فاعتبروا أن "الاتحاد الأوروبي" يغمض الطرف عن خروقات الحكومة التركية لحقوق الإنسان، كي تلعب تركيا في المقابل دور الحارس المفترض للحدود الأوروبية في وجه اللاجئين. كما تحاول الحكومة التركية، التي تصبح تسلطية بشكل متزايد، تعزيز شرعيتها على المستوى الدولي، ليستطيع المواطنون الأتراك بالنتيجة الدخول إلى أوروبا بدون تأشيرة، ولكن كل ذلك على حساب قيود أكبر لوصول السوريين إلى "الحماية الدولية".
وفي جانب آخر من الاتفاق، تم التخطيط لبدء العمل ببرنامج "إعادة القبول" في الشهور المقبلة من عام 2016. ووفقاً لهذا الاتفاق، ستقوم تركيا باسترداد لاجئين وصلوا إلى "الاتحاد الأوروبي" بصورة غير شرعية. وليتم وضعه حيز التنفيذ، يحتاج "الاتحاد الأوروبي" إلى إعلان تركيا "بلداً آمناً"، بينما ما تزال تقبل الدول الأوربية 1 من كل 4 طلبات لجوء مقدمة من مواطنين أتراك لأسباب متعددة، بينها السياسي. ولكن الأوروبيون يرغبون في الوقت ذاته، بالتسريع في إعلانهم ذلك، ما يؤشر إلى مشكلة أساسية في مفهوم "البلد الآمن" على مستوى قوانين اللجوء الدولية الحالية.
وفي السياق، تعتبر الإجراءات الجديدة لتأشيرة دخول السوريين إعلاناً ضمنياً من تركيا، بأن بلداناً مثل لبنان والأردن، والتي تستضيف كماً هائلاً من اللاجئين، هي بدورها "بلدان آمنة"، على الرغم من الصراعات السياسة الداخلية الكبيرة في لبنان، وحالة الفراغ الدستوري المستمرة، بالإضافة إلى مشاركة "حزب الله" في الحكومة وحضوره الأمني الفعلي على الأرض، وهو الذي يعدّ شريكاً في جرائم نظام الأسد في سوريا، السبب الرئيس لهروب السوريين من بلدهم. وذلك عدا عن ظروف اللجوء الإنسانية السيئة في كلا البلدين، فلا يحق لللاجئين العمل والرعاية الصحية كما أن فرص التعليم فيهما محدودة للغاية.
ووفقاً لبيرل إيتشوبان من جمعية "التضامن مع اللاجئين" في مدينة إزمير التركية، فإن وجود اللاجئين خارج سوريا لا يعني بالضرورة أنهم في أمان، وما سينتج عن الإجراءات الجديدة للتأشيرة هو فقط تغيير وإطالة لطرق التهريب، لينتهي الأمر بالسوريين بدفع مبالغ أكبر للمهربين، وسلوكهم طرقاً أكثر خطورة للوصول إلى البلدان الأوروبية. وأظهرت التجارب دائماً قدرة المهربين على التأقلم مع الإجراءات الأمنية ومراقبة الحدود.
على الرغم من كون تركيا أحد الموقعين الأوائل على اتفاقية عام 1951 المتعلقة بأوضاع اللاجئين، والتي تعرّف اللاجئين، وحقوقهم، وتحدد إلتزامات الدول تجاههم، إلا أن تركيا ماتزال تحافظ على المحدودية الجغرافية لمنح حق اللجوء، والتي تتضمن منح إقامة اللجوء لأفراد من الدول الأوروبية فقط. كنتيجة لذلك، لا يحصل السوريون على إقامات لجوء، ولكنهم يعطون حق "الحماية المؤقتة". وإن كانت تركيا لا ترغب بأن يخاطر السوريون بحياتهم في محاولة الوصول إلى أوروبا من خلال الطرق غير الشرعية، فإن الخطوة الرئيسية التي يجب اتخاذها، هي إلغاء المحدودية الجغرافية لمنح حق اللجوء، وضمان إقامة اللجوء للسوريين مع كامل الحقوق. أما على الطرف الآخر، فعلى "الاتحاد الأوروبي" فتح قنوات للسوريين للوصول إلى البلدان الأوروبية من خلال طرق أمنة وشرعية بدل زيادة الأمن على الحدود.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها